zaiالسيدة زينب الكبرى سلام الله عليها

(الجزء الرابع)

 

نشأتها و تربيتها عليها السلام

 

التربية هي من أهم الأمور للأطفال الذين يراد تثقيفهم وتهذيبهم وتأديبهم على الوجه الصحيح، لأنها أساس كل فضيلة، ودعامة كل منقبة، وأول شيء يحتاج إليه في التربية هو اختيار المربى الكامل العامل بالدروس التي يلقيها على من يراد تربيته، ولذلك ترى الأمم الناهضة في كل دور من أدوار التاريخ ينتخبون لتربية ناشئتهم من يرون فيه الكفاءة والمقدرة، من ذوي الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة، علماً منهم أنّ الناشئ يتخلق بأخلاق مربيه، ويتأدب بآدابه مهما كانت.

ولقد كانت نشأة هذه الظاهرة الكريمة، وتربية تلك الدرة اليتيمة، زينب عليها السلام، في حضن النبوة، ودرجت في بيت الرسالة، رضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول، وغذيت بغذاء الكرامة من كفّ ابن عم الرسول، فنشأت نشأة قدسية، وربيت تربية روحانية، متجلببة جلابيب الجلال والعظمة، متردية رداء العفاف والحشمة، فالخمسة أصحاب العباء عليهم السلام هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها، وكفاك بهم مؤدبين ومعلمين.

ولما غربت شمس الرسالة، وغابت الأنوار الفاطمية.

وتزوج أمير المؤمنين بإمامة بنت أبي العاص- وأمها زينب ربيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوصية من فاطمة عليها السلام، إذ قالت: وأوصيك أن تتزوج بإمامة بنت أختي زينب، تكون لولدي مثلي.

قامت إمامة بشؤون زينب خير قيام، كما كانت تقوم بشؤون بقية ولد فاطمة، وكانت إمامة هذه من النساء الصالحات القانتات العابدات.

وكانت زينب عليها السلام تأخذ التربية الصالحة والتأديب القويم من والدها الكرار وأخويها الكريمين الحسن والحسين عليهم السلام، إلى أن بلغت من العلم والفضل والكمال مبلغاً عظيماً.

شرفها ومجدها عليها السلام

الشرف في اللغة هو: العلو، وشرف شرافةً وشرفاً أي: علا في دين أو دنيا فهو شريف، أي: ذو شرف.

والشرف في النسب: اتصاله بعظيم من العظماء، وأظهر أفراد هذا النوع: هم الذرية الطاهرة من آل الرسول.

والمجد لغة يطلق على الشرف الواسع، ويطلق على الكرم والعز والجاه.

والمجد المؤثل هو: الشرف المؤصل، يقال: تأثّل الشيء أي: تأصل وتعظم.

وعن الشيخ أبي علي: المجد هو: العلو والكمال والرفعة.

والتمجيد: أن تنسب الأنساب إلى المجد كما تنسب إلى الشرف في الآباء. أو إلى عمله الشريف فهو التشريف والتعظيم.
• قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : كلّ بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم، إلاّ ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم (1) ، وقد روي هذا الحديث بالإسناد إلى فاطمة بنت الحسين عليه السلام عن فاطمة الكبرى عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورواه الطبراني وغيره بأسانيدهم المختلفة، كما في الشرف المؤبد للنبهاني (2) عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أنّ الله عز وجل جعل ذرية كلّ نبي في صلبه، وأنّ الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب، والروايات بهذا المعنى كثيرة.

وهذا الشرف الحاصل لزينب (عليها السلام) شرف لا مزيد عليه.

فإذا ضممنا إلى ذلك أنّ أباها علي المرتضى، وأمها فاطمة الزهراء، وجدتها خديجة الكبرى، وعمها جعفر الطيار في الجنة، وعمتها أم هاني بنت أبي طالب، وأخواها سيدا شباب أهل الجنة، وأخوالها وخالاتها أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمذا يكون هذا الشرف، وإلى أين ينتهي شأوه ويبلغ مداه.

وإذا ضممنا إلى ذلك أيضاً علمها وفضلها، وتقواها وكمالها، وزهدها وورعها، وكثرة عبادتها ومعرفتها بالله تعالى، كان شرفها شرفاً خاصاً بها وبأمثالها من أهل بيتها ومجدها مجداً مؤثلا لايليق إلا بها وبهم عليهم السلام.

ومما زاد في شرفها ومجدها أن الخمسة الطاهرة أهل العباء عليهم السلام كانوا يحبونها حباً شديداً.

حدث يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة مدة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخرج ليلاً والحسن على يمينها والحسين على شمالها وأمير المؤمنين أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين عليه السلام فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن مرة عن ذلك، فقال:

أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب.

• وورد عن بعض المطلعين : أنّ الحسن عليه السلام لما وضع الطشت بين يديه وصار يقذف كبده سمع بأن أخته زينب تريد الدخول عليه، أمر- وهو في تلك الحال- برفع الطشت إشفاقاً عليها.
• وجاء في بعض الأخبار : أن الحسين عليه السلام كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها، وكان يجلسها في مكانه.

ولعمري أنّ هذه منزلة عظيمة لزينب لدى أخيها الحسين عليه السلام، كما أنها كانت أمينة أبيها على الهدايا الإلهية.
• ففي حديث مقتل أمير المؤمنين عليه السلام – الذي نقله المجلسي رحمه الله في تاسع البحار- نادى الحسن أخته زينب (3) أم كلثوم: هلمي بحنوط جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبادرت زينب عليها السلام مسرعة حتى أتته به، فلما فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب.

 

• وجاء ذكر زينب عليها السلام في أحاديث نبوية

 

منها: الحديث الذي ذكره الشيخ سليمان الحنفي في كتابه ينابيع المودة في الباب الثامن والخمسين، عن ربيعة السعدي قال: أتيت حذيفة رحمه الله فسألته عن أشياء فقال: اسمع مني وعه وبلغ الناس: أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعته باذني وقد جاء الحسين بن علي عليهما السلام على المنبر، فجعله على منكبيه ثم قال: أيها الناس هذا الحسين خير الناس جداً وجدّةً، جدّه رسول الله سيد ولد آدم، وجدته خديجة سابقة إلى الإيمان من كلّ الأمة، وهذا الحسين خير الناس خالاً وخالةً، خاله القاسم وعبد الله وإبراهيم، وخالته زينب ورقية وأم كلثوم، وهذا الحسين خير الناس عماً وعمة، عمه حمزة وجعفر عقيل، وعمته أم هاني، وهذا الحسين خير الناس أباً وأماً وأخاً وأختاً، أبوه علي، وأمه فاطمة، وأخوه الحسن، وأخته زينب ورقية، ثمّ وضعه عن منكبه فأجلسه في جنبه فقال: أيها الناس هذا الحسين جدّه في الجنة، وجدّته في الجنة، وأخواله في الجنة، وخالاته في الجنة، وأعمامه في الجنة،

وعماته في الجنة، وأبوه في الجنة، وأمه في الجنة، وأخوه في الجنة، وأختاه في الجنة، وهو في الجنة، ثمّ قال: يا أيها الناس إنه لم يعط أحد من ذرية الأنبياء الماضين ما اعطي الحسين بن علي، خلا يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، يا أيها الناس إنّ الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريته، فلا تذهبن بكم الأباطيل.
• ومن الشرف الذي لم يقابله شرف لزينب عليها السلام : أنّ الحسين عليه السلام إئتمنها على أسرار الإمامة، كما في الخبر الذي رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (4) .

قال عن أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا أخت أبي الحسن العسكري عليه السلام - في سنة 262- بالمدينة فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم ثم قالت: فلان

قال عن أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا أخت أبي الحسن العسكري عليه السلام - في سنة 262- بالمدينة فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم ثم قالت: فلان ابن الحسن عليه السلام، فسمته، فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟ فقالت: خبراً عن أبي محمد عليه السلام كتب به إلى أمه، فقلت لها: فأين المولود؟ فقالت: مستور، فقلت فإلى من تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدة أم أبي محمد عليه السلام، فقلت لها: أقتدي بمن وصيته إلى المراة؟ فقالت: إقتداء بالحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، إن الحسين بن علي عليهما ا لسلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ينسب إلى زينب بنت علي ستراً على علي بن الحسين، ثم قالت: إنكم قوم أصحاب أخبار، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين يقسم ميراثه وهو في الحياة.

وفي هذا الخبر من الفضل لزينب عليها السلام ما لا يخفى على من عرف منزلة هذه الوظيفة السامية التي وظفها بها الأمام عليه السلام. • وفي الطراز المذهب عن ناسخ التواريخ أنه قال : من معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يضع لسانه في فم أولاد فاطمة الرضع فيغنيهم عن اللبن،

قال: والأولاد الرضع يشمل الذكور والإناث، فزينب وأم كلثوم يشاركان الحسنين عليهما السلام في هذه الفضيلة.

ومن المعلوم أنّ من التقم لسان رسول الله- عقل العقول ووارث علوم الأولين والآخرين – وارتوى بمصه، كيف يحصل على المراتب العالية، وكيف يأخذ مقامات العلم والشرف.

أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، أخت ميمونة بنت الحرث- أم المؤمنين- لأمها وهي ام ولد جعفر بن أبي طالب جميعاً، ولما قتل عنها جعفر تزوجها أبو بكر فولدت له محمداً، ولما توفي عنها تزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) فولدت له يحيى بن علي توفي في حياة أبيه عليه السلام، هذا قول أبي الفرج الأصفهاني في المقاتل، وقيل: ولدت له يجيى ومحمداً الأصغر.


• وفي مناقب ابن شهر أشوب : محمد الأصغر، كان يكنى أبا بكر قتل يوم الطف، وقيل: كانت أمه أم ولد، وقيل: إنه مات في حياة أبيه أيضاً، وأبو بكر المقتول يوم الطف من ليلى بنت مسعود النهشلية، وهو الصحيح.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر ابن الكلبي: أنّ عون بن علي أمه أسماء بنت عميس، ولم يقل ذلك غيره (6) .

وهاجرت أسماء مع زوجها جعفر إلى الحبشة، فولدت له أولاده هناك.

وكانت أسماء من القانتات العابدات، روت الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي والزهراء عليهما السلام، وروى عنها كثيرون، منهم: ابنها عبد الله ابن جعفر، وحفيدها القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو جد إمامنا الصادق (عليه السلام) لأمه وروى عنها عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وهو ابن أختها لبابة بنت الحارث.

• قيل : وكان عمر يسألها عن تفسير المنام، ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره.

قال في الإصابة: ويقال أنها لما بلغها قتل ولدها محمد بمصر قامت إلى مسجد بيتها، وكظمت غيظها حتى شخب ثدياها دماً.

وكان جعفر بن أبي طالب من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هاجر إلى الحبشة بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فأسلم النجاشي ومن تبعه على يديه.


• قال الشعبي : وقدم المدينة عند فتح خيبر، فالتزمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل يقبل بين عينيه ويقول: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر؟

وكان إسلام جعفر بأمر أبيه طالب في السنة التي بعث فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين (عليه السلام) وخديجة عليها السلام والناس عاكفون على الأصنام، هذا هو الصحيح.

الهوامش

1 - أورده النبهاني في الشرف المؤبد: 51، وقال الصباني في إسعاف الراغبين: هذه الخصوصية لأولاد فاطمة عليها السلام فقط دون أولاد بقية بناته صلى الله عليه وآله وسلمّ، فلا يطلق عليه صلى الله عليه وآله وسلمّ أنه أب لهم وأنهم بنوه، كما يطلق ذلك على أولاد فاطمة عليها السلام، نعم يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه (منه قدس سره ).

2 - ص 53. طبع بيروت، سنة 1309 (منه قدس سره ).

3 - في بعض نسخ البحار: زينب وأم كلثوم، وما نقلناه أصح، بقرينة هلمي بلفظ المفرد، وبقرينة فبادرت زينب…، ومن هذا يظهر أن أم كلثوم الوارد ذكرها مكرراً في هذه الراواية هي زينب عليها السلام (منه قدس سره).

4 - أنظر ص275، طبع إيران سنة 1301.

ورواه ايضاً ص278 عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب، عن محمد بن عبد الله عن أبيه عبد الله ابن جعفر الحميري، عن محمد بن جعفر، عن أحمد بن إبراهيم، وذكر الخبر (منه قدس سره ).

5 - في مجمع البحرين: ذكر حائك عند أبي عبد الله عليه السلام، وإنه ملعون، فقال عليه السلام: إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله ورسوله.

قلت: ومثله في قول البديع الهمداني:

لة بيت مخــــــــــــتلف الملائك 

يــــــــــــا دار في منتجع الرسا

تــــــــــــــك والترائك والأرائك 

يا بن الفــــــــــــــــواطم والعوا

مــــــــــولى ولائك وابن حائك

أنـــــــــــــــــــا حائك إن لم أكن

  

6 - ويروى: أن أسماء أول من تزوجها هو حمزة بن عبد المطلب، وإنها ولدت له بنتاً تسمى أمة الله، وقيل: إمامة، والله أعلم.

Holy Quran